عرض المقال
خذوا من محاكمة المحجوب عبرة
2012-10-14 الأحد
أتذكر د. رفعت المحجوب اليوم لعدة أسباب، منها حلول مناسبة الذكرى الثانية والعشرين لاغتياله الذى تم بطريقة بشعة وخسيسة وغادرة، ومنها أنه ينتمى لمحافظة دمياط، مسقط رأس أبى، رحمه الله، الذى كان شديد الإعجاب بهذا الأستاذ العظيم الذى كان من أفضل من أنجبتهم مصر فى شرح مادة الاقتصاد المعقدة، وأيضاً فى نطق اللغة العربية بسلاسة وبلاغة وجمال، لدرجة أن خطبه البرلمانية تعتبر قطعاً أدبية تدرس، والأهم أننى أتذكره وسط هذه الهجمة الشرسة على القضاء المصرى والنائب العام، والذى كان بالمصادفة محامى عام نيابة أمن الدولة العليا فى تلك القضية، أتذكر كيف واجه القاضى ضغوطاً عنيفة وشرسة للحكم على المتهمين ولكنه حكم بالبراءة لأن ضميره لم يسترِح لشهادة الشهود، ومنهم زوجات بعض المتهمين اللاتى شهدن على أزواجهن، وجاء فى أسباب حكمه ما نصه: «حيث إن نص المادة 67 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 «لا يجوز لأحد الزوجين أن يفشى بغير رضاء الآخر ما أبلغه إليه أثناء الزوجية ولو بعد انفصالهما إلا فى حالة رفع دعوى من أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر، والحكمة من حظر أداء الشهادة من أحد الزوجين ضد الآخر هى الحفاظ على ما بين الزوجين من مودة ورحمة وأن موضوع الشهادة «سر» علم به الزوج أو الزوجة عن طريق هذه الصفة وهى صفة «الزوجية» فكل منهما ملزم بكتمان هذا السر وإن أفشاه يكون آثماً مرتكباً للجريمة المنصوص عليها فى المادة 31 عقوبات..».
مجرد الشك جعل القاضى النزيه يفسره لصالح المتهم، آثار التعذيب على المتهمين جعلته يتشكك فى اعترافاتهم برغم سطوة أمن الدولة آنذاك وشخصية الضحية التى قتلت بالخطأ، لأن المطلوب الأساسى كان وزير الداخلية عبدالحليم موسى وكلاهما سواء رئيس البرلمان أو وزير الداخلية من الممكن لو حكم القاضى بالإعدام على جميع المتهمين أن تتم مكافأته من السلطة آنذاك لحيثية الضحية ودوبليره، لكن المستشار وحيد محمود أرضى ضميره بعد دراسة سنتين للقضية وهذا فيه الكفاية ليستريح ضميره.
المدهش أن أحد قادة الجماعة الإسلامية اعترف فى برنامج فضائى بعد مرور عشرين سنة بأن جماعته هى التى قتلت، ولكن المقصود لم يكن رفعت المحجوب بل وأكد أن ما قيل عن تورط حسنى مبارك فى اغتيال المحجوب كلام كذب واتهام باطل.
عبرة أخرى أرجو أن يعتبر بها أهل تيار الإخوان والجماعة الإسلامية وكل من أهان القضاء وهدد النائب العام بفتح الملفات ومنعه من دخول مكتبه، والتى ربطوها بإهانة اليسار واتهامهم بالتواطؤ والردة والكفر، أقول لهم: تذكروا أن الذى دافع عن أبناء الجماعة الإسلامية وحصل على البراءة لهم آنذاك يسارى، إنه المحامى الأستاذ الماركسى نبيل الهلالى الذى أطلق الإعلام وقتها على مرافعته مرافعة القرن، اقرأوا ما قاله الهلالى أمام المحكمة لتعرفوا الفرق بين قضاء تنفيذ الأوامر ونفاق الشارع الذى يريده البعض الآن والقضاء الحقيقى قضاء الحكم العادل والضمير اليقظ الذى لا تهمه الحناجر الهادرة بل تهمه الأدلة الحاضرة، قال الهلالى العظيم فى مرافعته:
«وخارج هذه القاعة يخيم جو مسموم.. ويعربد مناخ محموم.. وتطالب الحملات الهستيرية بقطع الرقاب.. وقطف رءوس شباب.. متهم بالإرهاب.. وتتمادى الهجمة الشرسة.. فتتطاول على قضاء مصر الشامخ.. وتشن أبواق مسعورة مأجورة.. حملة ساقطة على قضاء مصر.. تتهمهم بالعجز وعدم الحزم. وتتهمهم بالتراخى وعدم الجزم. وتعتبر تمسك المحامين بتوفير حق الدفاع على الوجه الأكمل.. تسويفاً ومماطلة.. وتعويقاً لسير العدالة.
وخارج هذه القاعة.. ينتزعون القضايا انتزاعاً من أمام قاضيها الطبيعى.. ويحيلونها إلى القضاء العسكرى بحجة أنه القضاء الأسرع والأنجح.. والأردع متجاهلين أن القضاء جهاز لإرساء العدل.. وليس أداة للقمع أو الردع. متناسين أن رمز العدالة امرأة معصوبة العينين تمسك بميزان حساس.. وليس امرأة تركب بساط الريح.. ممسكة بشومة أو كرباج.لكن مأساتهم.. أن القضاء الطبيعى.. لا يشفى لهم غليلاً.. لذلك يبحثون عن البديل.. عن محاكم تفصيل.. محاكم.. على مقاس.. مزاج وإرادة الحاكم».
ما أشبه الليلة بالبارحة فما زال الترزية الذين يريدون نصوص القانون باتروناً على مقاس الحاكم موجودين فى الإعلام وفى الشارع وفى الحاشية أيضاً.